فصل: الباب الرابع عشر طبقات الأطباء المشهورين من أطباء ديار مَصر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عيون الأنباء في طبقات الأطباء **


 الباب الرابع عشر طبقات الأطباء المشهورين من أطباء ديار مَصر

 بليطيان

كان طبيباً مشهوراً بديار مصر نصرانياً عالماً بشريعة النصارى الملكية قال سعيد بن البطريق في كتاب نظم الجوهر لما كان في السنة الرابعة من خلافة المنصور من الخلفاء العباسيين صير بليطيان بطريركاً على الإسكندرية وكان طبيباً أقام ستاً وأربعين سنة ومات قال ولما كان في أيام الرشيد هرون وولى الرشيد عبيد اللَّه بن المهدي مصر أهدى عبيد اللَّه إلى الرشيد جارية من أهل البيما من أسفل الأرض وكانت حسنة جميلة وكان الرشيد يحبها حباً شديداً فاعتلت علة عظيمة فعالجها الأطباء فلم تنتفع بشيء فقالوا له ابعث الى عبيد اللَّه عاملك بمصر ليوجه إليك واحداً من أطباء مصر فإنهم أبصر بعلاج هذه الجارية من أطباء العراق فبعث الرشيد إلى عبيد اللَّه بن المهدي يختار له من أحذق أطباء مصر من يعالج الجارية فدعا عبيد اللَّه بليطيان بطريرك الإسكندرية وكان حاذقاً بالطب فأعلمه بحب الرشيد الجارية وعلتها وحمله إلى الرشيد وحمل بليطيان معه من كعك مصر الخشن والصير فلما دخل إلى بغداد ودخل إلى الجارية أطعمها الكعك والصير فرجعت إلى طبعها وزالت عنها العلة فصار من ذلك الوقت يحمل من مصر إلى خزانة السلطان الكعك الخشن والصير ووهب الرشيد لبليطيان البطريرك مالاً كثيراً وكتب له منشوراً في كل كنيسة في يد اليعقوبية مما أخذوها وتغلبوا عليها أن ترد إليه فرجع بليطيان إلى مصر واسترد من اليعقوبية كنائس كثيرة وتوفي بليطيان في سنة ستة وثمانين ومائة للهجرة‏.‏

إراهيم بن عيسى كان طبيباً فاضلاً معروفاً في زمانه متميزاً في أوانه صحب يوحنا ابن ماسويه ببغداد وقرأ عليه وأخذ عنه وخدم بصناعة الطب الأمير أحمد بن طولون وتقدم عنده وسافر معه إلى الديار المصرية واستمر في خدمته ولم يزل

 إبراهيم بن عيسى

مقيماً في فسطاط مصر إلى أن توفي وكانت وفاته في نحو سنة ستين ومائتين

 الحسن بن زيرك

كان طبيباً في مصر أيام أحمد بن طولون يصحبه في الإقامة فإذا سافر صحبه سعيد بن توفيل ولما توجه ابن طولون إلى دمشق في شهور سنة تسع وستين ومائتين وامتد منها إلى الثغور لإصلاحها ودخل أنطاكية عائداً عنها أكثر من استعمال لبن الجواميس فأدركته هيضة لم ينجع فيها معاناة سعيد بن توفيل وعاد بها إلى مصر وهو ساخط على سعيد بن توفيل فلما دخل الفسظاط أحضر الحسن بن زيرك وشكا إليه سعيداً فسهل عليه ابن زيرك أمر علته وأعلمه أنه يرجو له السلامة منها عن قرب وخففت عنه علته بالراحة والطمأنينة واجتماع الشمل وهدوء النفس وحسن القيام وبر الحسن ابن زيرك وكان يسر التخليط مع الحرم فازدادت علته ثم دعا بالأطباء فأرهبهم وخوفهم وكتمهم ما أسلفه من سوء التدبير والتخليط واشتهى على بعض حظاياه سمكاً قريصاً فأحضرته إياه سراً فما تمكن من معدته حتى تتابع الإسهال فأحضر الحسن بن زيرك وقال له أحسب الذي سقيتنيه اليوم غير صواب قال له الحسن بن زيرك يأمر الأمير أيده اللّه بإحضار جماعة أطباء الفسطاط داره في غداة كل يوم حتى يتفقوا على ما يأخذه كل غداة وما سقيتك إلا أشياء تولى عجنها ثقتك وجميعها تنهض القوة الماسكة في معدتك وكبدك فقال أحمد واللَّه لئن لم تنجحوا في تدبيركم لأضربن أعناقكم فإنما تجربون على العليل ولا يحصل منكم على شيء في الحقيقة فخرج الحسن بن زيرك من بين يديه وهو يرعد وكان شيخاً كبيراً فحميت كبده من سوء فكره وخوفه وتشاغله عن المطعم والنوم فاعتراه إسهال سريع واستولى الغم عليه فخلط وكان يهذي بعلة أحمد بن طَولون حتى مات في غد ذلك اليوم‏.‏

 سعيد بن توفيل

كان طبيباً نصرانياً متميزاً في صناعة الطب وكان في خدمة أحمد ابن طولون من أطباء الخاص يصحبه في السفر والحضر وتغير عليه قبل موته وسببه أن أحمد بن طولون كما تقدم ذكره كان قد خرج إلى الشام وقصد الثغور لإصلاحها وعاد إلى أنطاكية فأدركته هيضة من ألبان الجواميس لأنه أسرع فيها واستكثر منها فالتمس طبيبه سعيداً فوجده قد خرج إلى بيعة بأنطاكية فتمكن غيظه عليه فلما حضر أغلظ له في التأخر عنه وأنف أن يشكو إليه ما وجده ثم زاد الأمر عليه في الليلة الثانية فطلبه فجاء متنبذاً فقال له لي من يومين عليل وأنت شارب نبيذ فقال يا سيدي طلبتني أمس وأنا في بيعتي على ما جرت عادتي وحضرت فلم تخبرني بشيء قال فما كان ينبغي أن تسأل عن حالي قال ظنك يا مولاي سيء ولست أسأل أحداً من حاشتيك عن شيء من أمرك قال فما الصواب الساعة قال لا تقرب شيئاً من الغذاء ولو قرمت إليه الليلة وغداً قال أنا واللَّه جائع وما أصبر قال هذا جوع كاذب لبرد المعدة فلما كان في نصف الليل استدعى شيئاً يأكله فجيء بفراريج كردباج حارة وبزماورد من دجاج وجداء باردة فأكل منها فانقطع الإسهال عنه فخرج نسيم الخادم وسعيد في الدار فقال له أكل الأمير خروف كردباج فخفف عنه القيام قال سعيد اللَّه المستعان ضعفت قوته الدافعة بقهر الغذاء لها وستتحرك حركة منكرة فواللَّه ما وافى السحر حتى قام أكثر من عشرة مجالس وخرج من أنطاكية وعلته تتزايد إلا أن في قوته احتمالاً لها وطلب مصر وثقل عليه ركوب الدواب فعملت له عجلة كانت تجر بالرجال وطِّئت له فما وصل الفرما حتى شكا إزعاجها فركب الماء إلى الفسطاط وضرب له بالميدان قبة نزل فيها‏.‏

ولما حل ابن طولون بمصر ظهرت منه نبوة في حق سعيد الطبيب هذا وشكاه إلى إسحاق بن إبراهيم كاتبه وصاحبه فقال إسحاق بن إبراهيم لسعيد يعاتبه ويحك أنت حاذق في صناعتك وليس لك عيب إلا أنك مدل بها غير خاضع أن تخدمه فيها والأمير وإن كان فصيح اللسان فهو أعجمي الطبع وليس يعرف أوضاع الطب فيدبر نفسه بها وينقاد لك وقد أفسده علي الإقبال فتلطف له وارفق به وواظب عليه وراع حاله فقال سعيد واللَّه ما خدمتي له إلا خدمة الفأر للسنور والسخلة للذئب وإن قتلي لأحب إلي من صحبته ومات أحمد بن طولون في علته هذه‏.‏

وقال نسيم خادم أحمد بن طولون إن سعيد بن توفيل المتطبب كان في خدمة الأمير أحمد بن طولون فطلبه يوماً فقيل له مضى يستعرض ضيعة يشتريها فأمسك حتى حضر ثم قال له يا سعيد اجعل ضيعتك التي تشتريها فتستغلها صحبتي ولا تغفلها واعلم أنك تسبقني إلى الموت إن كان موتي على فراشي فإني لا أمكنك بالاستمتاع بشيء بعدي قال نسيم وكان سعيد بن توفيل آيساً من الحياة لان أحمد بن طولون امتنع من مشاورته ولم يكن يحضر إلا ومعه من يستظهر عليه برأيه ويعتقد فيه أنه فرط في أول أمره وابتداء العلة به حتى فات أمره‏.‏

وفي التاريخ أن سعيد بن توفيل كان له في أول ما صحب أحمد شاكري قبيح الصورة كان ينفض الكتان مع أب له واسمه هاشم وكان يخدم بغلة سعيد ويمسكها له إذا دخل دار أحمد بن طولون وكان سعيد يستعمله في بعض الأوقات في سحق الأدوية بداره إذا رجع معه وينفخ النار على المطبوخات وكان لسعيد بن توفيل ابن حسن الصورة ذكي الروح حسن المعرفة بالطب فتقدم أحمد بن طولون إلى سعيد أول ما صحبه أن يرتاد متطبباً يكون لحرمه ويكون مقيماً بالحضرة في غيبته فقال له سعيد لي ولد قد علمته وخرجته قال أرنيه فأحضره فرأى شاباً رائقاً حسن الأسباب كلها فقال له أحمد بن طولون ليس يصلح هذا لخدمة الحرم أحتاج لهن حسن المعرفة قبيح الصورة فأشفق سعيد أن ينصّب لهم غريباً فينبو عنه ويخالف عليه فأخذ هاشماً وألبسه دراعة وخفين ونصبه للحرم فذكر جريج بن الطباخ المتطبب قال لقيت سعيد بن توفيل ومعه عمر بن صخر فقال له عمر ما الذي نصبت هاشماً له قال خدمة الحرم لأن الأمير طلب قبيح الخلقة فقال له عمر قد كان في أبناء الأطباء قبيح قد حسنت تربيته وطاب مغرسه يصلح لهذا ولكنك استرخصت الصنعة واللَّه يا أبا عثمان إن قويت يده ليرجعن إلى دناءة منصبه وخساسة محتده فتضاحك سعيد بغرته من هذا الكلام وتمكن هاشم من الحرم بإصلاحه لهم ما يوافقهم من عمل أدوية الشحم والحبل وما يحسن اللون ويغزر الشعر حتى قدمه النساء على سعيد فلما جمع الأطباء على الغدو إلى أحمد بن طولون في كل يوم عند اشتداد علته قالت مائة ألف أم أبي العشائر قد أحضر جماعة من الأطباء ولم يحضر هاشم واللَّه يا سيدي ما فيهم مثله فقال لها أحضرينيه سراً حتى أشافهه وأسمع كلامه فأدخلته إليه سراً وشجعته على كلامه فلما مثل بين يديه نظر وجهه وقال أُغْفِل الأمير حتى بلغ إلى هذه الحالة لا أسن اللَّه جزاء من كان يتولى أمره قال له أحمد ابن طولون فما الصواب يا مبارك قال تتناول قميحة فيها كذا وكذا وعدد قريباً من مائة عقار وهذه القمائح تمسك وقت أخذها وتعود بضرر بعد ذلك لأنها تتعب القوى فتناولها أحمد وأمسك عن تناول ما عمله سعيد والأطباء ولما أمسكت حسن موقع ذلك عند أحمد وظن أن البرء قد تم له ثم قال أحمد لهاشم إن سعيداً قد حماني من شهر عن لقمة عصيدة وأنا أشتهيها قال يا سيدي أخطأ سعيد وهي مغذية ولها أثر حميد فيك فتقدم أحمد بن طولون بإصلاحها فجيء منها بجام واسع فأكل أكثره وطاب نفساً ببلوغ شهوته ونام ولحجت العصيدة فتوهم أن حاله زادت صلاحاً وكل هذا يطوى عن سعيد بن توفيل ولما حضر سعيد قال له ما تقول في العصيدة قال هي ثقيلة على الأعضاء وتحتاج أعضاء الأمير إلى تخفيف عنها قال له أحمد دعني من هذه المخرقة قد أكلتها ونفعتني والحمد للّه وجيء بفاكهة من الشام فسأل أحمد بن طولون سعيد بن توفيل عن السفرجل فقال له تمص منه على خلو المعدة والأحشاء فإنه نافع فلما خرج سعيد من عنده أكل أحمد بن طولون سفرجلاً فوجد السفرجل العصيدة فعصرها فتدافع الإسهال فدعا سعيداً فقال يا ابن الفاعلة ذكرت أن السفرجل نافع لي وقد عاد إلي الإسهال فقام فنظر المادة ورجع إليه فقال هذه العصيدة التي حمدتها وذكرت أني غلطت في منعها فإنها لم تزل مقيمة في الأحشاء لا تطيق تغييرها ولا هضمها لضعف قواها حتى عصرها السفرجل ولم أكن أطلقت لك أكله وإنما أشرت بمصه ثم سأله عن المقدار ما أكل منه فقال سفرجلتين فقال سعيد أكلت السفرجل للشبع ولم تأكله للعلاج فقال يا ابن الفاعلة جلست تنادرني وأنت صحيح سوي وأنا عليل مدنف ثم دعا بالسياط فضربه مائتي سوط وطاف به على جمل ونودي عليه هذا جزاء من ائتمن فخان ونهب الأولياء منزله ومات بعد يومين وذلك في سنة تسع وستين ومائتين بمصر وقيل في سنة تسع وسبعين ومائتين وهي السنة التي مات ابن طولون في ذي قعدتها واللّه أعلم‏.‏

 خلف الطولوني

هو أبو علي مولى أمير المؤمنين كان مشتغلاً بصناعة الطب وله معرفة جيدة في علم أمراض العين ومداواتها ولخلف الطولوني من الكتب كتاب النهاية والكفاية في تركيب العينين وخلقتهما وعلاجهما وأدويتهما ونقلت من خطه في كتابه هذا وجملة الكتاب بخطه إن معاناته كانت لتأليف هذا الكتاب في سنة أربع وستين ومائتين وفراغه منه في سنة اثنتين وثلثمائة‏.‏

 نسطاس بن جريج

كان نصرانياً عالماً بصناعة الطب وكان في دولة الإخشيد بن طغج ولنسطاس بن جريج من الكتب كناش رسالة إلى يزيد بن رومان النصراني الأندلسي في البول‏.‏

 إسحاق بن إبراهيم بن نسطاس

هو أبو يعقوب إسحق بن إبراهيم بن نسطاس بن جريج نصراني فاضل في صناعة الطب وكان في خدمة الحاكم بأمر اللّه ويعتمد عليه في الطب وتوفي إسحق بن إبراهيم بن نسطاس بالقاهرة في أيام الحاكم واستطب بعده أبا الحسن علي بن رضوان واستمر في خدمته وجعله رئيساً على سائر الأطباء‏.‏

 البالسي

كان طبيباً فاضلاً متميزاً في معرفة الأدوية المفردة وأفعالها وله من الكتب كتاب التكميل في الأدوية المفردة ألفه لكافور الإخشيدي‏.‏

 موسى بن العازار الإسرائيلي

مشهور بالتقدم والحذق في صناعة الطب وكان في خدمة المعز لدين اللّه وكان في خدمته أيضاً ابنه إسحاق بن موسى المتطبب وكان جليل القدر عند المعز ومتولياً أمره كله في حياة أبيه وتوفي إسحاق بن موسى لاثنتي عشرة ليلة خلت من صفر سنة ثلاث وستين وثلثمائة واغتم المعز لموت إسحاق لموضعه منه ولكفايته وجعل موضعه أخاه إسمعيل بن موسى وابنه يعقوب بن إسحاق وكان ذلك في حياة أبيهم موسى وتوفي قبل وفاة إسحاق بيوم أخ له مسلم اسمه عون اللّه بن موسى ولموسى بن العازار من الكتب الكتاب المعزي في الطبيخ ألفه للمعز مقالة في السعال جواب مسألة سأله عنها أحد الباحثين عن حقائق العلوم الراغبين جني ثمارها كتاب الأقراباذين‏.‏

 يوسف النصراني

كان طبيباً عارفاً بصناعة الطب فاضلاً في العلوم وقال يحيى بن سعيد بن يحيى في كتاب تاريخ الذيل إنه لما كان في السنة الخامسة من خلافة العزيز صير يوسف الطبيب بطريركاً على بيت المقدس أقام في الرئاسة ثلاث سنين وثمانية أشهر ومات بمصر ودفن في كنيسة مار ثوادرس مع آباء أخر منطودلا القيسراني‏.‏

 سعيد بن البطريق

من أهل فسطاط مصر وكان طبيباً نصرانياً مشهوراً عارفا بعلم صناعة الطب وعملها متقدماً في زمانه وكانت له دراية بعلوم النصارى ومذاهبهم ومولده في يوم الأحد لثلاث بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وستين ومائتين للهجرة ولما كان في أول سنة من خلافة القاهر باللّه محمد بن أحمد المعتضد باللّه صير سعيد بن البطريق بطريركاً على الإسكندرية وسمي أوثوشيوس وذلك لثمان خلون من شهر صفر سنة إحدى وعشرين وثلثمائة ولسعيد بن البطريق من العمر نحو ستين سنة وبقي في الكرسي والرئاسة سبع سنين وستة أشهر وكان في أيامه شقاق عظيم وشر متصل بينه وبين شعبه واعتل سعيد بن البطريق بمصر بالإسهال وكان متميزاً في صناعة الطب فحدس أنها علة موته فصار إلى كرسيه بالإسكندرية وأقام به أياماً عدة عليلاً ومات يوم الاثنين سلخ رجب من سنة ثمان وعشرين وثلثمائة ولسعيد بن البطريق من الكتب كتاب في الطب علم وعمل كناش كتاب الجدل بين المخالف والنصراني كتاب نظم الجوهر ثلاث مقالات كتبه إلى أخيه عيسى بن البطريق المتطبب في معرفة صوم النصارى وفطرهم وتواريخهم وأعيادهم وتواريخ الخلفاء والملوك المتقدمين وذكر البطاركة وأحوالهم ومدة حياتهم ومواضعهم وما جرى لهم في ولايتهم وقد ذيل هذا الكتاب نسيب لسعيد ابن البطريق يقال له يحيى بن سعيد بن يحيى وسمى كتابه كتاب تاريخ الذيل‏.‏

 عيسى بن البطريق

كان طبيباًَ نصرانياً عالماً بصناعة الطب علمها وعملها متميزاً في جزئيات المداواة والعلاج مشكوراً فيها وكان مقامه بمدينة مصر القديمة وكان هذا عيسى بن البطريق أخا سعيد بن البطريق المقدم ذكره ولم يزل عيسى بمدينة مصر طبيباً إلى أن توفي بها‏.‏

كان طبيباً متميزاً في الديار المصرية وله ذكر جميل وحسن معالجة وكان في أيام العزيز باللّه وتوفي أعين بن أعين في شهر ذي القعدة سنة خمس وثمانين وثلثمائة وله من الكتب كناش كتاب في أمراض العين ومداواتها‏.‏

 التميمي

هو أبو عبد اللّه محمد بن سعيد التميمي كان مقامه أولاً بالقدس ونواحيها وله معرفة جيدة بالنبات وماهياته والكلام فيه وكان متميزاً أيضاً في أعمال الطب والاطلاع على دقائقها وله خبرة فاضلة في تركيب المعاجين والأدوية المفردة واستقصى معرفة أدوية الترياق الكبير الفاروق وتركيبه وركب منه شيئاً كثيراً على أتم ما يكون من حسن الصنعة وانتقل إلى الديار المصرية وأقام بها إلى أن توفي رحمه اللّه وكان قد اجتمع في القدس بحكيم فاضل راهب يقال له أنبا زخريا بن ثوابة وكان هذا الراهب يتكلم في شيء من أجزاء العلوم الحكمية والطب وكان مقيماً في القدس في المائة الرابعة من الهجرة وكان له نظر في أمر تركيب الأدوية ولما اجتمع به محمد التميمي لازمه وأخذ عنه فوائد وجملاً كثيرة مما يعرفه وقد ذكر التميمي في كتابه مادة البقاء صفة سفوف الرجفان الحادث عن المرة السوداء المحترقة وذكر أنه نقل ذلك عن أنبا وقال الصاحب جمال الدين بن القفطي القاضي الأكرم في كتاب أخبار العلماء بأخبار الحكماء إن التميمي محمد بن أحمد بن سعيد كان جده سعيد طبيباً وصحب أحمد بن أبي يعقوب مولى ولد العباس وكان محمد من البيت المقدس وقرأ علم الطب به وبغيره من المدن التي ارتحل إليها واستفاد من هذا الشأن جزءاً متوفراً وأحكم ما علمه منه غاية الإحكام وكان له غرام وعناية تامة في تركيب الأدوية وحسن اختيار في تأليفها وعنده غوص على أمور هذا النوع واستغراق في طلب غوامضه وهو الذي أكمل الترياق الفاروق بما زاده فيه من المفردات وذلك بإجماع الأطباء على أنه الذي أكمله وله في الترياق عدة تصانيف ما بين كبير ومتوسط وصغير وقد كان مختصاً بالحسن بن عبد اللّه ابن طغج المستولي على مدينة الرملة وما انضاف إليها من البلاد الساحلية وكان مغرماً به وبما يعالجه من المفردات والمركبات وعمل له عدة معاجين ولخالخ طبية ودخناً دافعة للوباء وسطر ذلك في أثناء مصنفاته ثم أدرك الدولة العلوية عند دخولها إلى الديار المصرية وصحب الوزير يعقوب بن كلس وزير المعز والعزيز وصنف له كتاباً كبيراً في عدة مجلدات سماه مادة البقاء بإصلاح فساد الهواء والتحزر من ضرر الأوباء وكل ذلك بالقاهرة المعزية ولقي الأطباء بمصر وناظرهم واختلط بأطباء الخاص القادمين من أهل المغرب في صحبة المعز عند قدومه والمقيمين بمصر من أهلها قال وحكى محمد التميمي خبراً عن ولده وهو قال حدثني والدي رضي اللّه عنه أنه سكر مرة سكراً مفرطاً غلب فيه على عقله فسقط في بعض الخانات من موضع عال من أسفل الخان وهو لا يعقل فحمله صاحب الخان وخدمه حتى أدخله إلى الحجرة التي كان ساكنها فلما أصبح قام وهو يجد وجعاً ووهنا ًفي مواضع من جسده ولا يعرف لذلك سبباً فركب وتصرف في بعض أموره إلى أن تعالى النهار ثم رجع فقال لصاحب الخان ينبغي أن تحمد اللّه على سلامتك قال مم ذا قال أو ما علمت ما نالك البارحة قال لا قال فإنك سقطت من أعلى الخان إلى أسفل وأنت سكران قال ومن أي موضع فأراه الموضع فلما رآه حدث به للوقت من الوجع والضربان ما لم يجد معه سبيلاً إلى الصبر وأقبل يضج ويتأوه إلى أن جاؤوه بطبيب ففصده وشد على مفاصله المتوهنة جباراً فأقام أياماً كثيرة إلى أن برأ وذهب عنه الوجع‏.‏

أقول ومما يناسب هذه الحكاية أن بعض التجار كان في بعض أسفاره في مغارة ومعه رفقة له فنام في منزلة نزلها في الطريق ورفقته جلوس فخرجت حية من بعض النواحي وصادفت رجله فنهشته فيها وذهبت وانتبه مرعوباً من الألم وبقي يمسك رجله ويتأوه منها فقال له بعضهم ما عليك إنك مددت رجلك بسرعة وقد صادفت رجلك شوكة في هذا الموضع الذي يوجعك وأظهر له أنه أخرج الشوكة وقال ما بقي عليك بأس وتساكن عنه الألم بعد ذلك ورحلوا فلما كان بعد عودهم بمدة وقد نزلوا في تلك المنزلة قال له صاحبه أتدري ذلك الوجع الذي عرض لك في هذا الموضع من أي شيء كان فقال لا قال إن حية ضربتك في رجلك ورأيناها وما أعلمناك فعرض له للوقت ضربان قوي في رجله وسرى في بدنه إلى أن قرب من قلبه وعرض له غشي ثم تزايد به إلى أن مات وإن السبب في ذلك أن الأوهام والأحداث النفسانية تؤثر في البدن أثراً قوياً فلما تحقق أن الآفة التي عرضت له كانت من نهشة الحية تأثر من ذلك وسرى ما كان في ذلك الموضع من بقايا السم في بدنه ولما وصل إلى قلبه أهلكه ال الصاحب جمال الدين ولما كان التميمي ببلده البيت المقدس معانياً لصناعة الطب وأحكام التركيبات صنف وركب ترياقاً سماه مخلص النفوس وقال فيه هذا ترياق ألفته بالقدس وأحكمت تركيبه مختص نافع الفعل دافع لضرر السمومات القاتلة المشروبة والمصبوبة في الأبدان بلسع ذوات السم من الأفاعي والثعابين وأنواع الحيات المهلكة السم والعقارب الجرارات وغيرها وذوات الأربع والأربعين رجلاً ومن لدغ الرتيلاء والعظايات مجرب ليس له مثل ثم ساق مفرداته وصورة تركيبه في كتابه المسمى بمادة البقاء ولما كان بمصر صنف جوارشن وركبه وسماه مفتاح السرور من كل الهموم ومفرح النفوس ألفه لبعض إخوانه بمصر وذكر صورة تركيبه وأسماء مفرداته غير أنه ركبه بمصر وسماها الفسطاط اسمها الأول في زمن عمرو بن العاص عند افتتاحها وذلك مذكور في كتابه مادة البقاء وكان التميمي هذا موجوداً بمصر في سنة سبعين وثلاثمائة‏.‏

وللتميمي من الكتب رسالة إلى ابنه علي بن محمد في صنعة الترياق الفاروق والتنبيه على ما يغلظ فيه من أدويته ونعت أشجاره الصحيحة وأوقات جمعها وكيفية عجنه وذكر منافعه وتجربته كتاب آخر في الترياق وقد استوعب فيه تكميل أدويته وتحرير منافعه كتاب مختصر في الترياق كتاب في مادة البقاء بإصلاح فساد الهواء والتحرر من ضرر الأوباء صنفه للوزير أبي الفرج يعقوب بن كلس بمصر مقالة في ماهية الرمد وأنواعه وأسبابه وعلاجه كتاب الفاحص والأخبار‏.‏

 سهلان

هو أبو الحسن سهلان بن عثمان بن كيسان كان طبيباً نصرانياً من أهل مصر ينتحل رأي الفرقة الملكية وخدم الخلفاء المصريين وارتفع جاهه في الأيام العزيزية ولم يزل مرتفع الذكر محروس الجانب مقتنياً للمال الجزيل إلى أن توفي بمصر في أيام العزيز باللَّه في يوم السبت لخمس بقين من ذي الحجة سنة ثمانين وثلثمائة وأخرج يوم الأحد بعد صلاة الظهر إلى كنيسة الروم بقصر الشمع فأخذ بجنازته من داره على النخاسين على الجامع العتيق على المربعة إلى حمام الغارو بين يديه خمسون شمعة موقودة وعلى تابوته ثوب مثقل وخلف جنازته المطران أخو السيد وأبو الفتح منصور بن مقشر طبيب الخاص مشاة وسائر النصارى تبع لهم ثم أخرج من الكنيسة بعد أن قسس عليه بقية ليلتهم إلى دير القصير فدفن هناك عند قبر أخيه كيسان بن عثمان بن كيسان ولم يعترض العزيز لتركته ولا ترك أحداً يمد يده إليها على كثرتها‏.‏

 أبو الفتح منصور بن سهلان بن مقشر

كان طبيباً نصرانياً مشهوراً وله دراية وخبرة بصناعة الطب وكان طبيب الحاكم بأمر اللَّه ومن الخواص عنده وكان العزيز أيضاً يستطبه ويرى له ويحترمه وكان متقدماً في الدولة وتوفي في أيام الأكم واستطب الحاكم بعده إسحاق بن إبراهيم بن نسطاس ومات إسحاق بن نسطاس أيضاً في أيام الحاكم بعد ذلك‏.‏

 عمار بن علي الموصلي

كان كحالاً مشهوراً ومعالجاً مذكوراً له خبرة بمداواة أمراض العين ودربة بأعمال الحديد وكان قد سافر إلى مصر وأقام بها وكان في أيام الحاكم ولعمار بن علي من الكتب كتاب

 الحقير النافع

كان هذا من أهل مصر يهودي النحلة في زمن الحاكم وكان طبيباً جرائحياً حسن المعالجة ومن ظريف أمره أنه كان يرتزق بصناعة مداواة الجراح وهو في غاية الخمول واتفق أن عرض لرجل الحاكم عقر أزمن ولم يبرأ وكان ابن مقشر طبيب الحاكم والحظي عنده وغيره من أطباء الخاص المشاركين له يتولون علاجه فلا يؤثر ذلك الإشراف في العقر فأحضر له هذا اليهودي المذكور فلما رآه طرح عليه دواء يابساً فنشفه وشفاه في ثلاثة أيام فأطلق له ألف دينار وخلع عليه ولقبه بالحقير النافع وجعله من أطباء الخاص‏.‏

 أبو بشر طبيب العظيمية

كان في أيام الحاكم مشهوراً في الدولة ويعد من الأفاضل في صناعة الطب

 ابن مقشر الطبيب

كان من الأطباء المشهورين والعلماء المذكورين مكيناً في الدولة حظياً عند الحاكم وكان يعتمد عليه في صناعة الطب وقال عبيد اللَّه بن جبرئيل إن ابن مقشر الطبيب كان في خدمة الحاكم وبلغ معه أعلى المنازل وأسناها وكان له منه الصلات الكثيرة والعطايا العظيمة قال

 علي بن سليمان

كان طبيباً فاضلاً متقناً للحكمة والعلوم الرياضية متميزاً في صناعة الطب أوحد في أحكام النجوم وكان في أيام العزيز باللَّه وولده الحاكم ولحق أيام الظاهر لإعزاز دين اللَّه ولد الحاكم ولعلي بن سليمان من الكتب اختصار كتاب الحلوى في الطب كتاب الأمثلة والتجارب والأخبار والنكت والخواص الطبية المنتزعة من كتب أبقراط وجالينوس وغيرهما تذكرة له ورياضة ووجدت هذا الكتاب بخطه أربع مجلدات وقد ذكر فيه أنه ابتدأ بتأليفه في سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة بالقاهرة كتاب التعاليق الفلسفية ووجدته أيضاً بخطه وهو يقول فيه أنه ابتدأ بتصنفه بحلب في سنة إحدى عشرة وأربعمائة مقالة في أن قبول الجسم التجزؤ لا يقف ولا ينتهي إلى ما لا يتجزأ وتعديد شكوك تلزم مقالة أرسطوطاليس في الأبصار وتعديد شكوك في كواكب الذنب‏.‏

 ابن الهيثم

هو أبو علي محمد بن الحسن بن الهيثم أصله من البصرة ثم انتقل إلى الديار المصرية وأقام بها إلى آخر عمره وكان فاضل النفس قوي الذكاء متفنناً في العلوم لم يماثله أحد من أهل زمانه في العلم الرياضي ولا يقرب منه وكان دائم الاشتغال كثير التصنيف وافر التزهد محباً للخير وقد لخص كثيراً من كتب أرسطوطاليس وشرحها وكذلك لخص كثيراً من كتب جالينوس في الطب وكان خبيراً بأصول صناعة الطب وقوانينها وأمورها الكلية إلا أنه لم يباشر أعمالها ولم تكن له دربة بالمداواة وتصانيفه كثيرة الإفادة وكان حسن الخط جيد المعرفة بالعربية وحدثني الشيخ علم الدين بن أبي القاسم بن عبد الغني بن مسافر الحنفي المهندس قال كان ابن الهيثم في أول أمره بالبصرة ونواحيها قد وزر وكانت نفسه تميل إلى الفضائل والحكمة والنظر فيها ويشتهي أن يتجرد عن الشواغل التي تمنعه من النظر في العلم فأظهر خبالاً في عقله وتغيراً في تصوره وبقي كذلك مدة حتى مكن من تبطيل الخدمة وصرف من النظر الذي كان في يده ثم إنه سافر إلى ديار مصر وأقام بالقاهرة في الجامع الأزهر بها وكان يكتب في كل سنة إقليدس والمجسطي ويبيعهما ويقتات من ذلك الثمن ولم تزل هذه حاله إلى أن توفي رحمه اللَّه ووجدت الصاحب جمال الدين أبا الحسن بن القفطي قد ذكر أيضاً عن ابن الهيثم ما هذا نصه قال إنه بلغ الحاكم صاحب مصر من العلويين وكان يميل إلى الحكمة خبره وما هو عليه من الإتقان لهذا الشأن فتاقت نفسه إلى رؤيته ثم نقل له عنه أنه قال لو كنت بمصر لعملت في نيلها عملاً يحصل به النفع في كل حالة من حالاته من زيادة ونقص فقد بلغني أنه ينحدر على موضع عال هو في طرف الإقليم المصري فازداد الحاكم إليه شوقاً وسير إليه سراً جملة من المال وأرغبه في الحضور فسار نحو مصر ولما وصلها خرج الحاكم للقائه والتقيا بقرية في باب القاهرة المعزية تعرف بالخندق وأمر بإنزاله وإكرامه واحترامه وأقام ريثما استراح وطالبه بما وعد به من أمر النيل فسار ومعه جماعة من الصناع المتولين للعمارة بأيديهم ليستعين بهم على هندسته التي خطرت له ولما سار إلى الإقليم بطوله ورأى آثار من تقدم من ساكنيه من الأمم الخالية وهي على غاية من إحكام الصنعة وجودة الهندسة وما اشتملت عليه من أشكال سماوية ومقالات هندسية وتصوير معجزة تحقق أن الذي يقصده ليس بممكن فإن من تقدمه في الصدور الخالية لم يغرب عنهم علم ماعمله ولو أمكن لفعلوه فانكسرت همته ووقف خاطره ووصل إلى الموضع المعروف بالجنادل قبلي مدينة أسوان وهو موضع مرتفع ينحدر منه ماء النيل فعاينه وباشره واختبره من جانبيه فوجد أمره لا يمشي على موافقة مراده وتحقق الخطأ والغلبة عما وعد به وعاد خجلاً ومنخذلاً واعتذر بما قبل الحاكم ظاهره ووافقه عليه ثم إن الحاكم ولاه بعض الدواوين فتولاها رهبة لا رغبة وتحقق الغلط في الولاية فإن الحاكم كان كثير الاستحالة مريقاً للدماء بغير سبب أو بأضعف سبب من خيال يتخيله فأجال فكرته في أمر يتخلص به فلم يجد طريقاً إلى ذلك إلا إظهار الجنون والخبال فاعتمد ذلك وشاع فأحيط على موجوده له بيد الحاكم ونوابه وجعل برسمه من يخدمه ويقوم بمصالحه وقيّد وتُرك في موضع من منزله ولم يزل على ذلك إلى أن تحقق وفاة الحاكم وبعد ذلك بيسير أظهر العقل وعاد إلى ما كان عليه وخرج عن داره واستوطن قبة على باب الجامع الأزهر أحد جوامع القاهرة وأقام بها متنسكاً متعزياً مقتنعاً وأعيد إليه ماله من تحت يد الحاكم واشتغل بالتصنيف والنسخ والإفادة وكان له خط قاعدته في غاية الصحة كتب به الكثير من علوم الرياضة قال وذكر لي يوسف الفاسي الإسرائيلي الحكيم بحلب قال سمعت أن ابن الهيثم كان ينسخ في مدة سنة ثلاثة كتب في ضمن اشتغاله وهي إقليدس والمتوسطات والمجسطي ويستكملها في مدة السنة فإذا شرع في نسخها جاءه من يعطيه فيها مائة وخمسين ديناراً مصرية وصار ذلك كالرسم الذي لا يحتاج فيه إلى مواكسة ولا معاودة قول فيجعلها مؤونته لسنته ولم يزل على ذلك إلى أن مات بالقاهرة في حدود سنة ثلاثين وأربعمائة أو بعدها بقليل واللَّه أعلم‏.‏

أقول ونقلت من خط ابن الهيثم في مقالة له فيما صنعه وصنفه من علوم الأوائل إلى آخر سنة سبع عشرة وأربعمائة لهجرة النبي # الواقع في شهور سنة ثلاث وستين الهلالية من عمره ما هذا نصه قال إني لم أزل منذ عهد الصبا مرتاباً في اعتقادات هذه الناس المختلفة وتمسك كل فرقة منهم بما تعتقده من الرأي فكنت متشككاً في جميعه موقناً بأن الحق واحد وأن الاختلاف فيه إنما هو من جهة السلوك إليه فلما كملت لإدراك الأمور العقلية انقطعت إلى طلب معدن الحق وجهت رغبتي وحدسي إلى إدراك ما به تنكشف تمويهات الظنون وتنقشع غيابات المتشكك المفتون وبعثت عزيمتي إلى تحصيل الرأي المقرب إلى اللَّه جل ثناؤه المؤدي إلى رضاه الهادي لطاعته وتقواه فكنت كما قال جالينوس في المقالة السابعة من كتابه في حيلة البرء يخاطب تلميذه لست أعلم كيف تهيأ لي منذ صباي إن شئت قلت باتفاق عجيب وإن شئت قلت بإلهام من اللَّه وإن شئت قلت بالجنون أو كيف شئت أن تنسب ذلك أني ازدريت عوام الناس واستخففت بهم ولم التفت إليهم واشتهيت إيثار الحق وطلب العلم واستقر عندي أنه ليس ينال الناس من الدنيا أشياء أجود ولا أشد قربة إلى اللَّه من هذين الأمرين قال محمد ابن الحسن فخضت لذلك في ضروب الآراء والاعتقادات وأنواع علوم الديانات فلم أحظ من شيء منها بطائل ولا عرفت منه للحق منهجاً ولا إلي الرأي اليقيني مسلكاً مجدداً فرأيت أنني لا أصل إلى الحق إلا من آراء يكون عنصرها الأمور الحسية وصورتها الأمور العقلية فلم أجد ذلك إلا فيما قرره أرسطوطاليس من علوم المنطق والطبيعيات والإلهيات التي هي ذات الفلسفة وطبيعتها حين بدأ بتقرير الأمور الكلية والجزئية والعامية والخاصية ثم تلاه بتقرير الألفاظ المنطقية وتقسيمها إلى أناسها الزوائل ثم أتبعه بذكر المعاني التي تتركب مع الألفاظ فيكون منها الكلام المفهوم المعلوم ثم أفرد من ذلك الأخبار التي هي عنصر القياس ومادته فقسمها إلى أقسامها وذكر فصولها وخواصها التي تميزها بعضها من بعض ويلزم منه صدقها وكذبها ويعرض معه اتفاقها واختلافها وتضادها وتناقضها ثم ذكر بعد ذلك القياس فقسم مقدماته وشكل أشكاله ونوع تلك الأشكال وميز من الأنواع ما لا يلزم دائماً نظاماً واحداً وأفردها مما يلزم أبداً نظاماً واحداً ثم ذكر النتائج التي تلزم منها مع اقترانات عناصر الأمور التي هي الواجب والممكن والممتنع وبيّن وجوه اكتساب مقدمات القياس الضرورية والاقناعية وما هو من جهة الأولى والأشبه والأكثر وما يلزم من جهة العادات والاصطلاحات وسائر الأمور القياسية وذكر صور القياس وفصل فصوله ونوع أنواعه ثم ختم ذلك بذكر طبيعة البرهان وشرح مواده وأوضح صوره وبين الشبه المغلطة فيه وكشف عن مستوره وخافيه ثم تلا ذلك بالكلام في الصناعات الأربع الجدلية والمراثية والخطبية والشعرية فأوضح من ذلك ما يكون سبباً مميزاً لصناعة البرهان من هذه الصناعات الأربع وفصلاً فاصلاً لها من جنسها ثم أخذ بعد ذلك في شرح الأمور الطبيعية فبدأ في ذلك بكتابه في السماع الطبيعي فقرر فيه الأمور المعلومة بالطبع التي لا تحتاج إلى برهان إنما يؤخذ من الاستقرار والقسمة والتحليل وبرهن على بطلان الاعتراضات فيها وكشف عن أغلاط من شك في شيء منها وكان مجمل كلامه في ذلك على ستة أمور المبادئ الكونية والطبيعية والمكان والخلاء وما لا نهاية له والزمان والحركة والمحرك الأول ثم أتبع ذلك بكتابه في الكون والفساد فأوضح فيه قبول العالم الأرضي الكون والفساد ثم تلاه بكتابه في الآثار والعلوية وهي التي تعرض في الجو كالسحاب والضباب والرياح والأمطار والرعد والبرق الصواعق وسائر ما يكون من أنواع ذلك وذكر في آخره أمور المعدنيات وأسباب كونها ثم أتبعه بكتابه في النبات والحيوان فذكر ضروب النبات والحيوان وطبائعهما وفصولهما وأنواعهما وخواصهما وأعراضهما ثم أتبع ذلك بكتابه في السماء والعالم فأبان عن طبيعة العالم وذاتيته واتصال القوة الإلهية به‏.‏

ثم والاه بكتابه في النفس فتكلم على رأيه في النفس ونقض آراء جميع من قال فيها قولاً يخالف قوله واعتقد في ذاتيتها اعتقاداً غير اعتقاده وقسمها إلى الغاذية والحاسة والعاقلة وذكر أحوال الغاذية وشرح أمور الحواس وفصل أسباب العقل فذكر من ذلك ما كشف كل مستور وأوضح عن كل خفي ثم ختم جميع ذلك بكتابه فيما بعد الطبيعة وهو كتابه في الإلهيات فبين فيه أن الإله واحد وأنه حكيم لا يجهل وقادر لا يعجز وجواد لا يبخل فأحكم الأصول التي فيها يسلك إلى الحق فيدرك طبيعته وجوهره توحيد ذاته وماهيته‏.‏

فلما تبينت ذلك أفرغت وسعي في طلب علوم الفلسفة وهي ثلاثة علوم رياضية وطبيعية وإلهية فتعلقت من هذه الأمور الثلاثة بالأصول والمبادئ التي ملكت بها فروعها وتوقلت بأحكامها من حيث انخفاضها وعلوها ثم إني رأيت طبيعة الإنسان قابلة للفساد متهيئة إلى الفناء والنفاد وأنه مع حدة الشباب وعنفوان الحداثة تملك على فكرة طاعة التصور لهذه الأصول فإذا صار إلى سن الشيخوخة وأوان الهرم قصرت طبيعته وعجزت قوته الناطقة مع إخلاق آلتها وفسادها عن القيام بما كانت تقوم به من ذلك فشرحت ولخصت واختصرت من هذه الأصول الثلاثة ما أحاط فكري بتصوره ووقف تمييزي على تدبره وصنفت من فروعها ما جرى مجرى الإيضاح والإفصاح عن غوامض هذه الأمور الثلاثة إلى وقت قولي هذا وهو ذو الحجة سنة سبع عشرة وأربعمائة لهجرة النبي # وأنا ما مدت لي الحياة باذل جهدي ومستفرغ قوتي في مثل ذلك توخياً به أموراً ثلاثة أحدها إفادة من يطلب الحق ويؤثره في حياتي وبعد وفاتي والآخر أني جعلت ذلك ارتياضاً لي بهذه الأمور في إثبات ما تصوره وأتقنه فكري من تلك العلوم والثالث أني صيرته ذخيرة وعدة لزمان الشيخوخة وأوان الهرم فكنت في ذلك كما قال جالينوس في المقالة السابعة من كتابه في حيلة البرء إنما قصدت وأقصد في وضع ماوضعته وأضعه من الكتب إلى أحد أمرين إما إلى نفع في حيلة البرء أفيده إياه وإما أن أتعجل أنا في ذلك رياضة أروض بها نفسي في وقت وضعي إياه وأجعله ذخيرة لوقت الشيخوخة قال محمد بن الحسن وأنا أشرح ما صنعته في الأصول الثلاثة ليوقف منه على موضع عنايتي بطلب الحق وحرصي على إدراكه وتعلم حقيقة ما ذكرته من عزوف نفسي عن مماثلة العوام الرعاع الأغبياء وسموها إلى مشابهة أولياء اللَّه الأخيار الأتقياء فما صنعته في العلوم الرياضية خمسة وعشرون كتاباً أحدها شرح أصول إقليدس في الهندسة والعدد وتلخيصه‏.‏

والثاني كتاب جمعت فيه الأصول الهندسية والعددية من كتاب إقليدس وأبلونيوس ونوعت فيه الأصول وقسمتها وبرهنت عليها ببراهين نظمتها من الأمور التعليمية والحسية والمنطقية حتى انتظم ذلك مع انتقاض توالي إقليدس وأبلونيوس‏.‏

والثالث شرح المجسطي وتلخيصه شرحاً وتلخيصاً برهانياً لم أخرج منه شيئاً إلى الحساب إلى اليسير وإن أخر اللَّه في الأجل وأمكن الزمان من الفراغ استأنفت الشرح المستقصي لذلك الذي أخرجه به إلى الأمور العددية والحسابية‏.‏

والرابع الكتاب الجامع في أصول الحساب وهو كتاب استخرجت أصوله لجميع أنواع الحساب من أوضاع إقليدس في أصول الهندسة والعدد وجعلت السلوك في استخراج المسائل الحسابية بجهتي التحليل الهندسي والتقدير العددي وعدلت فيه عن أوضاع الجبريين وألفاظهم‏.‏

والخامس كتاب لخصت فيه علم المناظر من كتابي إقليدس وبطليموس وتممته بمعاني المقالة الأولى المفقودة من كتاب بطليموس‏.‏

والسادس كتاب في تحليل المسائل الهندسية‏.‏

والسابع كتاب في تحليل المسائل العددية بجهة الجبر والمقابلة مبرهناً‏.‏

والثامن كتاب جمعت فيه القول على تحليل المسائل الهندسية والعددية جميعاً لكن القول على المسائل العددية غير مبرهن بل هو موضوع على أصول الجبر والمقابلة والتاسع كتاب في المساحة على جهة الأصول‏.‏

والعاشر كتاب في حساب المعاملات‏.‏

والحادي عشر مقالة في إجارات الحفور والأبنية بجميع الأشكال الهندسية حتى بلغت في ذلك إلى أشكال قطوع المخروط الثلاثة المكافئ والزائد والناقص‏.‏

والثاني عشر تلخيص مقالات أبلونيوس في قطوع المخروطات‏.‏

والثالث عشر مقالة في الحساب الهندي‏.‏

والرابع عشر مقالة في استخراج سمت القبلة في جميع المسكونة بجداول وضعتها ولم أورد البرهان على ذلك‏.‏

والخامس عشر مقالة فيما تدعو إليه حاجة الأمور الشرعية من الأمور الهندسية ولا يستغنى عنه بشيء سواه‏.‏

والسادس عشر رسالة إلى بعض الرؤساء في الحث على عمل الرصد النجومي والسابع عشر كتاب في المدخل إلى الأمور الهندسية‏.‏

والثامن عشر مقالة في انتزاع البرهان على أن القطع الزائد والخطين اللذين لا يلقيانه يقتربان أبداً ولا يلتقيان‏.‏

والتاسع عشر أجوبة سبع مسائل تعليمية سئلت عنها ببغداد فأجبت‏.‏

والعشرون كتاب في التحليل والتركيب الهندسيين على جهة التمثيل للمتعلمين وهو مجموع مسائل هندسية وعددية حللتها وركبتها‏.‏

والحادي والعشرون كتاب في آلة الظل اختصرته ولخصته من كتاب إبراهيم بن سنان في ذلك‏.‏

والثاني والعشرون مقالة في استخراج ما بين بلدين في البعد بجهة الأمور الهندسة‏.‏

والثالث والعشرون مقالة في أصول المسائل العددية الصم وتحليلها‏.‏

والرابع و العشرون مقالة في حل شك رداً على إقليدس في المقالة الخامسة من كتابه في الأصول الرياضية‏.‏

والخامس والعشرون رسالة في برهان الشكل الذي قدمه أرشميدس في قسمة الزاوية ثلاثة أقسام ولم يبرهن عليه‏.‏

ومما صنعته من العلوم الطبيعية والإلهية أربعة وأربعون كتاباً أحدها تلخيص مدخل فرفوريوس وكتب أرسطوطاليس الأربعة المنطقية‏.‏

والآخر اختصار تلخيص مدخل فرفوريوس وكتب أرسطوطاليس السبعة المنطقية‏.‏

والثالث رسالة في صناعة الشعر ممتزجة من اليوناني والعربي‏.‏

والرابع تلخيص كتاب النفس لأرسطوطاليس وإن أخر اللَّه في الأجل وأمكن الزمان من الفراغ والتشاغل بالعلم لخصت كتابيه في السماع الطبيعي والسماء والعالم‏.‏

والخامس مقالة في مشاكلة العالم الجزئي وهو الإنسان للعالم الكلي‏.‏

والسادس مقالتان في القياس وشبهه‏.‏

والسابع مقالة في البرهان‏.‏

والثامن مقالة في العالم من جهة مبدئه وطبيعته وكماله‏.‏

والتاسع مقالة في المبادئ والموجودات‏.‏

والعاشر مقالة في هيئة العالم‏.‏

والحادي عشر كتاب في الرد على يحيى النحوي وما نقضه على أرسطوطاليس وغيره من أقوالهم في السماء والعالم‏.‏

والثاني عشر رسالة إلى بعض من نظر في هذا النقض فشك في معان منه في حل شكوكه ومعرفة ذلك من فهمه‏.‏

والثالث عشر كتاب في الرد على أبي الحسن علي بن العباس بن فسا نجس نقضه آراء المنجمين‏.‏

والرابع عشر جواب ما أجاب به أبو الحسن بن فسا نجس نقض من عارضه في كلامه على المنجمين‏.‏

والخامس عشر مقالة في الفضل والفاضل‏.‏

والسادس عشر مقالة في تشويق الإنسان إلى الموت بحسب كلام الأوائل‏.‏

والسابع عشر رسالة أخرى في هذا المعنى بحسب كلام المحدثين‏.‏

والثامن عشر رسالة في بطلان ما يراه المتكلمون من أن اللَّه لم يزل غير فاعل ثم فعل‏.‏

والتاسع عشر مقالة في خارج السماء لا فراغ ولا ملاء‏.‏

والعشرون مقالة في الرد على أبي هاشم رئيس المعتزلة ما تكلم به على جوامع كتاب السماء والحادي والعشرون قول في تباين مذهبي الجبريين والمنجمين‏.‏

والثاني والعشرون تلخيص المسائل الطبيعية لأرسطوطاليس‏.‏

والثالث والعشرون رسالة في تفضيل الأهواز على بغداد من جهة الأمور الطبيعية والرابع والعشرون رسالة إلى كافة أهل العلم في معنى مشاغب شاغبه‏.‏

والخامس والعشرون مقالة في أن جهة إدراك الحقائق جهة واحدة‏.‏

والسادس والعشرون مقالة في أن البرهان معنى واحد وإنما يستعمل صناعياً في الأمور الهندسية وكلامياً في الأمور الطبيعية والإلهية‏.‏

والسابع والعشرون مقالة في طبيعتي الألم واللذة‏.‏

والثامن والعشرون مقالة في طبائع اللذات الثلاث الحسية والنطقية والمعادلة‏.‏

والتاسع والعشرون مقالة في اتفاق الحيوان الناطق على الصواب مع اختلافهم في المقاصد والأغراض‏.‏

والثلاثون رسالة في أن برهان الخلف يصير برهان استقامة بحدود واحدة‏.‏

والحادي والثلاثون كتاب في تثبيت أحكام النجوم بجهة البرهان‏.‏

والثاني والثلاثون رسالة في الأعمار والآجال الكونية‏.‏

والرابع والثلاثون كتاب في النقض على من رأى أن الأدلة متكافئة‏.‏

والخامس والثلاثون قول في إثبات عنصر الامتناع‏.‏

والسادس والثلاثون نقض جواب مسألة سئل عنها عض المعتزلة بالبصرة‏.‏

والسابع والثلاثون كتاب في صناعة الكتابة على أوضاع الأوائل وأصولهم‏.‏

والثامن والثلاثون عهد إلى الكتاب‏.‏

والتاسع والثلاثون مقالة في أن فاعل هذا العالم إنما يعلم ذاته من جهة فعله‏.‏

والأربعون جواب قول لبعض المنطقيين في معان خالف فيها من الأمور الطبيعية‏.‏

والحادي والأربعون رسالة في تلخيص جوهر النفس الكلية‏.‏

والثاني والأربعون في تحقيق رأي أرسطوطاليس أن القوة المدبرة هي من بدن الإنسان في القلب منه‏.‏

والثالث والأربعون رسالة في جواب مسألة سئل عنها ابن السمع البغدادي المنطقي فلم يجب عنها جواباً مقنعاً‏.‏

والرابع والأربعون كتاب في تقويم الصناعة الطبية نظمته من جمل وجوامع ما نظرت فيه من كتب جالينوس وهو ثلاثون كتاباً كتابه في البرهان كتابه في فرق الطب كتابه في الصناعة الصغيرة كتابه في التشريح كتابه في القوى الطبيعية كتابه في منافع الأعضاء كتابه في آراء أبقراط وأفلاطن كتابه في المني كتابه في الصوت كتابه في العلل والأعراض كتابه في أصناف الحميات كتابه في البحران كتابه في النبض الكبير كتابه في الأسطقسات على رأي أبقراط كتابه في المزاج كتابه في قوى الأدوية المفردة كتابه في قوى الأدوية المركبة كتابه في مواضع الأعضاء الآلية كتابه في حيلة البرء كتابه في حفظ الصحة كتابه في جودة الكيموس وردائته كلامه في أمراض العين كتابه في أن قوى النفس تابعة لمزاج البدن كتابه في سوء المزاج المختلف كتابه في أيام البحران كتابه في الكثرة كتابه في استعمال الفصد لشفاء الأمراض كتابه في الذبول كتابه في أفضل هيئات البدن جمع حنين بن إسحاق من كلام جالينوس وكلام أبقراط في الأغذية‏.‏

ثم شفعت جميع ما صنعته من علوم الأوائل برسالة بينت فيها أن جميع الأمور الدنيوية والدينية هي نتائج العلوم الفلسفية وكانت هذه الرسالة هي المتممة لعدد أقوالي في هذه العلوم بالقول السبعين وذلك سوى رسائل ومصنفات عدة حصلت لي في أيدي جماعة من الناس بالبصرة والأهواز ضاعت دساتيرها وقطع الشغل بأمور الدنيا وعوارض الأسفار عن نسخها وكثيراً ما يعرض ذلك للعلماء فقد اتفق مثله لجالينوس حتى ذكر ذلك في بعض كتبه فقال وقد صنفت كتباً كثيرة دفعت دساتيرها إلى جماعة من إخواني وقطعني الشغل والسفر عن نسخها حتى خرجت إلى الناس من جهتهم‏.‏

قال محمد بن الحسن و إن أطال اللَّه لي في مدة الحياة وفسح في العمر صنفت وشرحت ولخصت من هذه العلوم أشياء كثيرة تتردد في نفسي ويبعثني ويحثني على إخراجها إلي فكري واللَّه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريده وبيده مقاليد كل شيء وهو المبدئ المعيد وهذا ما وجب أن أذكره في معنى ما صنعته واختصرته من علوم الأوائل قصدت به مذاكرة الحكماء الأفاضل والعقلاء الأماثل من الناس كالذي يقول رب ميت قد صار بالعلم حياً ومبقّى قد مات جهلاً وغيا فاقتنوا العلم كي تنالوا خلوداً لا تعدوا البقاء في الجهل شيا وهذان البيتان هما لأبي القاسم بن الوزير أبي الحسن علي بن عيسى رضي اللَّه عنهما وكان فيلسوفاً قالهما ووصى بأن يكتبا على قبره لم أقصد به مخاطبة جميع الناس لا غير الفاضل منهم وقلت في ذلك كما قال جالينوس في كتابه في النبض الكبير ليس خطابي في هذا الكتاب لجميع الناس بل خطابي لرجل منهم يوازي ألوف رجال بل عشرات ألوف رجال إذ كان الحق ليس هو بأن يدركه الكثير من الناس لكن هو بأن يدركه الفهم الفاضل منهم ليعرفوا رتبتي في هذه العلوم ويتحققوا منزلتي من إيثار الحق جل وعلا من طلب القربة إلى اللَّه في إدراك العلوم والمعارف النفسية ويعلموا تحقيقي بفعل ما فرضته هذه العلوم علي من ملابسة الأمور الدنيوية وكلية الخير ومجانية كلية الشر فيها فإن ثمرة هذه العلوم هو علم الحق والعمل بالعدل في جميع الأمور الدنيوية والعدل هو محض الخير الذي يفعله يفوز أين العالم الأرضي وبنعيم الآخرة السماوي ويعتاض عن صعوبة ما يلقاه بذلك مدة البقاء المنقطع في دار الدنيا دوام الحياة منعماً في الدار الأخرى وإلى اللّه تعالى أرغب في توفيقي لما فزت إليه وأزلف لديه‏.‏

أقول وكان تاريخ كتابة ابن الهيثم لهذه الرسالة في ذي الحجة سنة سبع عشرة وأربعمائة وكان تلوها أيضاً بخطه ما هذا مثاله ما صنعه محمد بن الحسن بن الهيثم بعد ذلك إلى سلخ جمادى الآخرة سنة تسع عشرة وأربعمائة تلخيص السماع الطبيعي لأرسطوطاليس مقالة لمحمد بن الحسن في المكان والزمان على ما وجده يلزم رأي أرسطوطاليس فيهما رسالة إلى أبي الفرج عبد اللَّه بن الطيب البغدادي المنطقي في عدة معان من العلوم الطبيعية والإلهية نقض محمد بن الحسن علي أبي بكر الرازي المتطبب رأيه في الإلهيات والنبؤات مقالة له في إبطال رأي من يرى أن العظام مركبة من أجزاء كل جزء منها لا جزء له مقالة له في عمل الرصد من دائرة أفق بلد معلوم العرض كتاب له في إثبات النبوات وإيضاح فساد رأي الذين يعتقدون بطلانها وذكر الفرق بين النبي والمتنبي مقالة لمحمد بن الحسن في إيضاح تقصير أبي علي الحياتي في نقضه بعض كتب ابن الراوندي ولزومه ما ألزمه إياه ابن الراوندي بحسب أصوله وإيضاح الرأي الذي لا يلزم معه اعتراضات ابن الراوندي رسالة له في تأثيرات اللحون الموسيقية في النفوس الحيوانية مقالة في أن الدليل الذي يستدل به المتكلمون على حدوث العالم دليل فاسد والاستدلال على حدوث العالم بالبرهان الاضطراري والقياس الحقيقي مقالة له يرد فيها على المعتزلة رأيهم في حدوث صفات اللَّه تبارك وتعالى رسالة له في الرد على المعتزلة رأيهم في الوعيد جواب له عن مسألة هندسية سئل عنها ببغداد في شهور سنة ثمان عشرة وأربعمائة مقالة ثانية لمحمد بن الحسن في إبانة الغلط ممن قضى أن اللَّه لم يزل غير فاعل من فعل مقالة في أبعاد الأجرام السماوية وأقدار إعظامها تلخيص كتاب الآثار العلوية لأرسطوطاليس تلخيص كتاب أرسطوطاليس في الحيوان وبعد ذلك مقالة في المرايا المحرقة مفردة عما ذكرته من ذلك في تلخيص كتابي إقليدس وبطلميوس في المناظر وكتاب في استخراج الجزء العملي من كتاب المجسطي مقالة في جوهر البصر وكيفية وقوع الإبصار به مقالة في الرد على أبي الفرج عبد اللَّه بن الطيب رأيه المخالف به لرأي جالينوس في القوى الطبيعية في بدن الإنسان أقول وهذا آخر ما وجدته من ذلك بخط محمد بن الحسن بن الهيثم المصنف رحمه اللَّه‏.‏

وهذا أيضاً فهرست وجدته لكتب ابن الهيثم إلى آخر سنة تسع وعشرين وأربعمائة مقالة في هيئة العالم مقالة في شرح مصادرات كتاب إقليدس كتاب في المناظر سبع مقالات مقالة في كيفية الإرصاد مقالة في الكواكب الحادثة في الجو مقالة في ضوء القمر مقالة في سمت القبلة بالحساب مقالة في قوس قزح والهالة مقالة فيما يعرض من الاختلاف في ارتفاعات الكواكب مقالة في حساب المعاملات مقالة في الرخامة الأفقية مقالة في رؤية الكواكب كتاب في بركار القطوع مقالتان مقالة في مراكز الأثقال مقالة في أصول المساحة مقالة في مساحة الكرة مقالة في مساحة المجسم المكافئ مقالة في المرايا المحرقة بالدوائر مقالة في المرايا المحرقة بالقطوع مقالة مختصرة في الأشكال الهلالية مقالة مستقصاة في الأشكال الهلالية مقالة مختصرة في بركار الدوائر العظام مقالة مشروحة في بركار الدوائر العظام مقالة في السمت مقالة في التنبيه على مواضع الغلط في كيفية الرصد مقالة في أن الكرة أوسع الأشكال المجسمة التي إحاطتها متساوية وأن الدائرة أوسع الأشكال المسطحة التي إحاطتها متساوية مقالة في المناظر على طريقة بطلميوس كتاب في تصحيح الأعمال النجومية مقالتان مقالة في استخراج أربعة خطوط بين خطين مقالة في تربيع الدائرة مقالة في استخراج خط نصف النهار على غاية التحقيق قول في جميع الأجزاء مقالة في خواص القطع المكافئ مقالة في خواص القطع الزائد مقالة في نسب القسى الزمانية إلى ارتفاعها مقالة في كيفية الإظلال مقالة في أن ما يرى من السماء هو أكثر من نصفها مقالة في حل شكوك المقالة الأولى من كتاب المجسطي يشكك فيها بعض أهل العلم مقالة في حل شك في مجسمات كتاب إقليدس قول في قسمة المقدارين المختلفين المذكورين في الشكل الأول من المقالة العاشرة من كتاب إقليدس مسألة في اختلاف النظر قول في استخراج مقدمة ضلع المسبع قول في قسمة الخط الذي استعمله أرشميدس في كتاب الكرة والأسطوانة قول في استخراج خط نصف النهار بظل واحد مقالة في عمل مخمس في مربع مقالة في المجرة مقالة في استخراج ضلع المكعب مقالة في أضواء الكواكب مقالة في الأثر الذي في القمر قول في مسألة عددية مقالة في إعداد الوفق مقالة في الكرة المتحركة على السطح مقالة في التحليل والتركيب مقالة في المعلومات قول في حل شك في المقالة الثانية عشرة من كتاب إقليدس مقالة في حل شكوك المقالة الأولى من كتاب إقليدس مقالة في حساب الخطأين قول في جواب مسألة في المساحة مقالة مختصرة في سمت القبلة مقالة في الضوء مقالة في حركة الالتفاف مقالة في الرد على من خالفه في ماهية المجرة مقالة في حل شكوك حركة الالتفاف مقالة في الشكوك على بطلميوس مقالة في الجزء الذي لا يتجزأ مقالة في خطوط الساعات مقالة في القرسطون مقالة في المكان قول في استخراج أعمدة الجبال مقالة في علل الحساب الهندي مقالة في أعمدة المثلثات مقالة في خواص الدوائر مقالة في شكل بني موسى مقالة في عمل المسبع في الدائرة مقالة في استخراج ارتفاع القطب على غاية التحقيق مقالة في عمل النكام مقالة في الكرة المحرقة قول في مسألة عددية مجسمة قول في مسألة هندسية مقالة في صورة الكسوف مقالة في أعظم الخطوط التي تقع في قطعة الدائرة مقالة في حركة القمر مقالة في مسائل التلاقي مقالة في شرح الأرثماطيقي على طريق التعليق مقالة في شرح القانون على طريق التعليق مقالة في شرح الرومنطيقي على طريق التعليق قول في قسمة المنحرف الكلي مقالة في الأخلاق مقالة في آداب الكتاب كتاب في السياسة خمس مقالات تعليق علقه إسحاق بن يونس المتطبب بمصر عن ابن الهيثم في كتاب ديوفنطس في مسائل الجبر قول في استخراج مسألة عددية‏.‏

 المبشر بن فاتك

هو الأمير محمود الدولة أبو المبشر بن فاتك الآمري من أعيان أمراء مصر وأفاضل علمائها دائم الاشتغال محب للفضائل والاجتماع بأهلها ومباحثهم والانتفاع بما يقتبسه من جهتهم وكان ممن اجتمع به منهم وأخذ عنه كثيراً من علوم الهيئة والعلوم الرياضية أبو محمد بن الحسن بن الهيثم وكذلك أيضاً اجتمع بالشيخ أبي الحسين المعروف بابن الآمدي وأخذ عنه كثيراً من العلوم وللمبشر بن فاتك تصانيف جليلة في المنطق وغيره من أجزاء الحكمة وهي مشهورة فيما بين الحكماء وكان كثير الكتابة وقد وجدت بخطه كتباً كثيرة من تصانيف المتقدمين وكان المبشر بن فاتك قد اقتنى كتباً كثيرة جداً وكثير منها يوجد وقد تغيرت ألوان الورق الذي له بغرق أصابه وحدثني الشيخ سديد الدين المنطقي بمصر قال كان الأمير ابن فاتك محباً لتحصيل العلوم وكانت له خزائن كتب فكان في أكثر أوقاته إذا نزل من الركوب لا يفارقها وليس له دأب إلا المطالعة والكتابة ويرى أن ذلك أهم ما عنده وكانت له زوجة كبيرة القدر أيضاً من أرباب الدولة فلما توفي رحمه اللَّه نهضت هي وجوار معها إلى خزائن كتبه وفي قلبها من الكتب وأنه كان يشتغل بها عنها فجعلت تندبه وفي أثناء ذلك ترمي الكتب في بركة ماء كبيرة في وسط الدار هي وجواريها ثم شيلت الكتب بعد ذلك من الماء وقد غرق أكثرها فهذا سبب أن كتب المبشر بن فاتك يوجد كثير منها وهو بهذه الحال‏.‏

أقول وكان من جملة تلاميذ المبشر بن فاتك والآخذين عنه أبو الخير سلمة بن مبارك بن رحمون وللمبشر بن فاتك من الكتب كتاب الوصايا والأمثال والموجز من محكم الأقوال كتاب مختار الحكم ومحاسن الكلم كتاب البداية في المنطق كتاب في الطب كان طبيباً عالماً بالصناعة الطبية عارفاً بالعلوم الحكمية جيد الدربة حسن العلاج قرأ الحكمة على ابن السمح وكان مقيماً بمصر‏.‏

 علي بن رضوان

هو أبو الحسن بن رضوان بن علي بن جعفر وكان مولده ومنشؤه بمصر وبها تعلم الطب وقد ذكر علي بن رضوان في سيرته من كيفية تعلمه صناعة الطب وأحواله ما هذا نصه قال إنه لما كان ينبغي لكل إنسان أن ينتحل أليق الصنائع به وأوفقها له وكانت صناعة الطب تتاخم الفلسفة طاعة للَّه عز وجل وكانت دلالات النجوم في مولدي تدل على أن صناعتي الطب وأن العيش عندي في الفضيلة ألذ من كل عيش أخذت في تعلم صناعة الطب وأنا ابن خمس عشرة سنة والأجود أن أقتص إليك أمري كله ولدت بأرض مصر في عرض ثلاثين درجة وطول خمس وخمسين درجة والطالع بزيج يحيى بن أبي منصور الحمل ‏)‏ه لو‏(‏ وعاشرة الجدي ‏)‏ه كح‏(‏ ومواضع الكواكب الشمس بالدلو ‏)‏اه لب‏(‏ والقمر بالعقرب ‏)‏ح يه‏(‏ وعرضه جنوب ‏)‏ح يز‏(‏ وزحل بالقوس ‏)‏كط‏(‏ وللمشتري بالجدي ‏)‏ه كح‏(‏ والمريخ بالدلو ‏)‏كا‏(‏ ‏)‏مح‏(‏ والزهرة بالقوس ‏)‏كد‏(‏ ‏)‏ك‏(‏ وعطارد بالدلو ‏)‏يط‏(‏ وسهم السعادة الجدي ‏)‏د‏(‏ ‏)‏ه‏(‏ وجزء الاستقبال المتقدم بالسرطان ‏)‏كب ي‏(‏ والزهرة بالقوس ‏)‏يز‏(‏ ‏)‏يا‏(‏ والذنب بالجوزاء ‏)‏يز‏(‏ ‏)‏ما‏(‏ والنسر الواقع يالجدي ‏)‏1‏(‏ ‏)‏كب‏(‏ والشعرى العبور بالسرطان ‏)‏يب‏(‏ فلما بلغت السنة السادسة أسلمت نفسي في التعليم ولما بلغت السنة العاشرة انتقلت إلى المدينة العظمى وأجهدت نفسي في التعلم ولما أقمت أربع عشرة سنة أخذت في تعلم الطب والفلسفة ولم يكن لي مال أنفق منه فلذلك عرض لي في التعلم صعوبة ومشقة فكنت مرة أتكسب بصناعه القضايا بالنجوم ومرة بصناعة الطب ومرة بالتعليم ولم أزل كذلك وأنا في غاية الاجتهاد في التعليم إلى السنة الثانية والثلاثين فإني اشتهرت فيها بالطب وكفاني ما كنت أكسبه بالطب بل وكان يفضل عني إلى وقتي هذا وهو آخر السنة التاسعة والخمسين وكسبت مما فضل عن نفقتي أملاكاً في هذه المدينة إن كتب اللَّه عليها السلامة وبلغني سن الشيخوخة كفاني في النفقة عليها وكنت منذ السنة الثانية والثلاثين إلى يومي هذا أعمل تذكرة لي وأغيرها في كل سنة إلى أن قررتها على هذا التقرير الذي أستقبل به السنة الستين من ذلك أتصرف في كل يوم في صناعتي بمقدار ما يغني ومن الرياضة التي تحفظ صحة البدن وأغتذي بعد الاستراحة من الرياضة غذاء أقصد به حفظ الصحة وأجتهد في حال تصرفي في التواضع والمداراة وغياث الملهوف وكشف كربة المكروب وإسعاف المحتاج وأجعل قصدي في كل ذلك الالتذاذ بالأفعال والانفعالات الجميلة ولا بد أن يحصل مع ذلك كسب ما ينفق فأنفق منه على صحة بدني وعمارة منزلي نفقة لا تبلغ التبذير ولا تنحط إلى التقتير وتلزم الحال الوسطى بقدر ما يوجبه التعقل في كل وقت وأتفقد آلات منزلي فما يحتاج إلى إصلاح أصلحته وما يحتاج إلى بدل بدلته وأعد في منزلي ما يحتاج إليه من الطعام والشراب والعسل والزيت والحطب وما يحتاج إليه من الثياب فما فضل بعد ذلك له صرفته في وجوه الجميل والمنافع مثل إعطاء الأهل والإخوان والجيران وعمارة المنزل وما اجتمع من غلة أملاكي ادخرته لعمارتها ومرمّتها ولوقت الحاجة إلى مثله وإذا هممت لتجديد أمر مثل تجارة أو بناء أو غير ذلك فرضته مطلوباً وحللته إلى موضوعاته ولوازمها فإن وجدته من الممكن الأكثر بادرت إليه وإن وجدته من الممكن القليل اطرحته وأتعرف ما يمكنني تعريفه من الأمور المزمعة وآخذ له أهبته وأجعل ثيابي مزينة بشعار الأخيار والنظافة وطيب الرائحة وألزم الصمت وكف اللسان عن معايب الناس وأجتهد أن لا أتكلم إلا بما ينبغي وأتوقى الأيمان ومثالب الآراء فأحذر العجب وحب الغلبة وأطرح الهم الحرصي والاغتمام وإن دهمني أمر فادح أسلمت فيه إلى اللَّه تعالى وقابلته بما يوجبه التعقل من غير جبن ولا تهور ومن عاملته عاملته يداً بيد لا أسف ولا أتسلف إلا أن أضطر لذلك وإن طلب مني أحد سلفاً وهبت منه ولم أرد منه عوضاً وما بقي من يومي بعد فراغي من رياضتي صرته في عبادة اللَّه سبحانه بأن أتنزه بالنظر في ملكوت السموات والأرض وتمجيد محكمها وأتدبر مقالة أرسطاطاليس في التدبير وآخذ نفسي بلزوم وصاياها بالغداة والعشي وأتفقد في وقت خلوتي ما سلف في يومي من أفعالي وانفعالاتي فما كان خيراً أو جميلاً أو نافعاً سررت به وما كان شراً أو قبيحاً أو ضاراً اغتممت به ووافقت نفسي بأن لا أعود إلى مثله وأما الأشياء التي أتنزه فيها فلأني فرضت نزهتي ذكر اللَّه عز وجل وتمجيده بالنظر في ملكوت السماء والأرض وكان قد كتب القدماء والعارفون في ذلك كتباً كثيرة رأيت أن أقتصر منها على ما أنصه من ذلك خمسة كتب من كتب الأدب وعشرة كتب من كتب الشرع وكتب أبقراط وجالينوس في صناعة الطب وما جانسها مثل كتاب الحشائش لديسقوريدس وكتب روفس وأريباسيوس وبولس وكتاب الحاوي للرازي ومن كتب الفلاحة والصيدلة أربعة كتب ومن كتب التعاليم المجسطي ومداخله وما أنتفع به فيه والمربعة لبطلميوس ومن كتب العارفين كتب أفلاطن وأرسطوطاليس والإسكندر وثامطيوس ومحمد الفارابي وما أنتفع به فيها وما سوى ذلك إما أبيعه بأي ثمن اتفق وإما أن أخزنه في صناديق وبيعه أجود من خزنه أقول هذا جملة ما ذكره من سيرته وإن مولده في ديار مصر بالجيزة ونشأ بمدينة مصر وكان أبوه فراناً ولم يزل ملازماً للاشتغال والنظر في العلم إلى أن تميز وصار له الذكر الحسن والسمعة العظيمة وخدم الحاكم وجعله رئيساً على سائر المتطببين وكانت دار ابن رضوان بمدينة مصر في قصر الشمع وهي الآن تعرف به وقد تهدمت ولم يتبين إلا بقايا يسيرة من آثارها وحدث في الزمان الذي كان فيه ابن رضوان بديار مصر الغلاء العظيم والغلاء الفادح الذي هلك به أكثر أهلها ونقلت من خط المختار بن الحسن بن بطلان أن الغلاء عرض بمصر في سنة خمس وأربعين وأربعمائة قال ونقص النيل في السنة التي تليها وتزايد الغلاء وتبعه وباء عظيم واشتد وعظم في سنة سبع وأربعين وأربعمائة وحكي أن السلطان كفن من ماله ثمانين ألف نفس وأنه فقد ثمانمائة قائد وحصل للسلطان من المواريث مال زيل‏.‏

وحدثني أبو عبد اللَّه محمد المالقي الناسخ أن ابن رضوان تغير عقله في آخر عمره وكان السبب في ذلك أنه في ذلك الغلاء كان قد أخذ يتيمة رباها وكبرت عنده فلما كان في بعض الأيام خلا لها الموضع وكان قد ادخر أشياء نفيسة ومن الذهب نحو عشرين ألف دينار فأخذت الجميع وهربت ولم يظفر منها على خبر ولا عرف أين توجهت فتغيرت أحواله من حينئذ‏.‏

أقول وكان ابن رضوان كثير الرد على من كان يعاصره من الأطباء وغيرهم وكذلك على كثير ممن تقدمه وكانت عنده سفاهة في بحثه وتشنيع على من يريد مناقشته وأكثر ذلك يوجد عندما كان يرد على حنين بن إسحاق وعلى أبي الفرج بن الطيب وكذلك أيضاً على أبي بكر محمد بن زكريا الرازي ولم يكن لابن رضوان في صناعة الطب معلم ينسب إليه وله كتاب في ذلك يتضمن أن تحصيل الصناعة من الكتب أوفق من المعلمين وقد رد عليه ابن بطلان هذا الرأي وغيره في كتاب مفرد وذكر فصلاً في العلل التي لأجلها صار المتعلم من أفواه الرجال أفضل من المتعلم من الصف إذا كان القول واحداً وأورد عدة علل الأولى منها تجري هكذا وصول المعاني من النسيب إلي النسيب خلاف وصولها من غير النسيب إلى النسيب والنسيب الناطق أفهم للتعليم بالنطق وهو المعلم وغير النسيب له جماد وهو الكتاب وبُعد الجماد من الناطق مطيل لطريق الفهم وقرب الناطق من الناطق مقرب للفهم فالفهم من النسيب وهو المعلم أقرب وأسهل من غير النسيب وهو الكتاب‏.‏

والثانية هكذا النفس العلامة علامة بالفعل وصورة الفعل عنها يقال له تعليم والتعليم والتعلم من المضاف وكلما هو للشيء بالطبع أخص به مما ليس له بالطبع والنفس المتعملة علامة بالقوة وقبول العلم فيها يقال له تعلم والمضافان معاً بالطبع فالتعليم من المعلم أخص بالمتعلم من والثالثة على هذه الصورة المتعلم إذا استعجم عليه ما يفهمه المعلم من لفظ نقله إلى لفظ آخر والكتاب لا ينقل من لفظ إلى لفظ فالفهم من المعلم أصلح للمتعلم من الكتاب وكل ما هو بهذه الصفة فهو في إيصال العلم أصل للمتعلم‏.‏

والرابعة العلم موضوعه اللفظ واللفظ على ثلاثة أضرب قريب من العقل وهو الذي صاغه العقل مثالاً لما عده من المعاني ومتوسط ومتوسط وهو المتلفظ به بالصوت وهو مثال لما صاغه العقل وبعيد وهو المثبت في الكتب وهو مثال ما خرج باللفظ فالكتاب مثال مثال مثال المعاني التي في العقل والمثال الأول لا يقوم مقام المثل لعوز المثل فما ظنك بمثال مثال مثال المثل فالمثال الأول لما عند العقل أقرب في الفهم من مثال المثال والمثال الأول هو اللفظ والثاني هو الكتاب وإذا كان الأمر على هذا فالفهم من لفظ المعلم أسهل وأقرب من لفظ الكتاب‏.‏

والخامسة وصول اللفظ الدال على المعنى إلى العقل يكون من جهة حاسة غريبة من اللفظ وهي البصر لأن الحاسة النسبية للفظ هي السمع لأنه تصويت والشيء الواصل من النسيب وهو اللفظ أقرب من وصوله من الغريب وهو الكتابة فالفهم من المعلم باللفظ أسهل من الكتاب بالخط‏.‏

والسادسة هكذا يوجد في الكتاب أشياء تصد عن العلم قد عدمت في تعليم المعلم وهي التصحيف العارض من اشتباه الحروف مع عدم اللفظ والغلط بزوغان البصر وقلة الخبرة بالإعراب أو عدم وجوده مع الخبرة به أو فساد الموجود منه واصطلاح الكتاب ما لا يقرأ وقراءة ما لا يكتب ونحو التعليم ونمط الكلام ومذهب صاحب الكتاب وسقم النسخ ورداءة النقل وادماج القارئ مواضع المقاطع وخلط مبادئ التعاليم وذكر ألفاظ مصطلح عليها في تلك الصناعة وألفاظ يونانية لم يخرجها الناقل من اللغة كالثوروس وهذه كلها معوقة عن العلم وقد استراح المتعلم من تكلفها عند قراءته على المعلم وإذا كان الأمر على هذا فالقراءة على العلماء أفضل وأجدى من قراءة الإنسان لنفسه وهو ما أردنا بيانه‏.‏

قال وأنا آتيك ببيان سابع أظنه مصدقاً عندك وهو ما قاله المفسرون في الاعتياض عن السالبة البسيطة بالموجبة المعدولة فإنهم مجمعون على أن هذا الفصل لو لم يسمعه من أرسطوطاليس تلميذه تاؤفرسطس وأوذيموس لما فهم قط من كتاب وإذا كان الأمر على هذا فالفهم من المعلم أفضل من الفهم من الكتاب وبحسب هذا يجب على كل محب للعلم أن لا يقطع بظن فربما خفي الصواب وإذا خفي الصواب عَلم الأشياء علماًردياً فثار عليه بحسب اعتقاده في الحق أنه مَحال شكوك يعسر حلّها وكانت وفاة علي بن رضوان رحمه اللَّه في سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة بمصر وذلك في خلافة المستنصر باللَّه أبي تميم معد بن الظاهر لإعزاز دين اللَّه الحاكم ومن كلام علي بن رضوان قال إذا كانت للإنسان صناعة ترتاض بها أعضاؤه ويمدحه بها الناس ويكسب بها كفايته في بعض يومه فأفضل ما ينبغي له في باقي يومه أن يصرفه في طاعة ربه وأفضل الطاعات النظر في الملكوت وتمجيد المالك لها سبحانه ومن رزق ذلك فقد رزق خير الدنيا والآخرة وطوبى له وحسن مآب ومن كلامه نقلته من خطه قال الطبيب على رأي بقراط هو الذي اجتمعت فيه سبع خصال الأولى أن يكون تام الخلق صحيح الأعضاء حسن الذكاء جيد الروية عاقلاً ذكوراً خير الطبع‏.‏

الثانية أن يكون حسن الملبس طيب الرائحة نظيف البدن والثوب‏.‏

الثالثة أن يكون كتوماً لأسرار المرضى لا يبوح بشيء من أمراضهم‏.‏

الرابعة أن تكون رغبته في إبراء المرضى أكثر من رغبته فيما يلتمسه من الأجرة ورغبته في علاج الفقراء أكثر من رغبته في علاج الأغنياء‏.‏

الخامسة أن يكون حريصاً على التعليم والمبالغة في منافع الناس‏.‏

السادسة أن يكون سليم القلب عفيف النظر صادق اللهجة لا يخطر بباله شيء من أمور النساء والأموال التي شاهدها في منازل الأعلاء فضلاً عن أن يتعرض إلى شيء منها‏.‏

السابعة أن يكون مأموناً ثقة على الأرواح والأموال لا يصف دواء قتالاً ولا يعلمه ولا دواء يسقط الأجنة يعالج عدوه بنية صادقة كما يعالج حبيبه‏.‏

وقال المعلم لصناعة الطب هو الذي اجتمعت فيه الخصال بعد استكماله صناعة الطب والمتعلم هو الذي فراسته تدل على أنه ذو طبع خير ونفس ذكية وأن يكون حريصاً على التعليم ذكياً ذكوراً لما قد تعلمه‏.‏

وقال البدن السليم من العيوب هو البدن الصحيح الذي كل واحد من أعضائه باق على فضيلته أعني أن يكون يفعل فعله الخاص على ما ينبغي‏.‏

وقال تعرُّف العيوب هو أن تنظر إلى هيئة الأعضاء والسحنة والمزاج وملمس البشرة وتتفقد أفعال الأعضاء الباطنة والظاهرة مثل أن تنادي به من بعيد فتعتبر بذلك حال سمعه وأن تعتبر بصره بنظر الأشياء البعيدة والقريبة ولسانه بجودة الكلام وقوته بشيل الثقل والمسك والضبط والمشي وأنحاء ذلك مثل أن تنظر مشيه مقبلاً ومدبراً ويؤمر بالاستلقاء على ظهره ممدود اليدين قد نصب رجليه وصفهما وتعتبر بذلك حال أحشائه وتتعرف حال مزاج قلبه بالنبض وبالأخلاق ومزاج كبده بالبول وحال الأخلاط وتعتبر عقله بأن يسأل عن أشياء وفهمه وطاعته بأن يؤمر بأشياء وأخلاقه إلى ما تميل بأن تعتبر كل واحد منها بما يحركه أو يسكنه وعلى هذا المثال أجر الحال في تفقد كل واحد من الأعضاء والأخلاق أما فيما يمكن ظهوره للحس فلا تقنع فيه حتى تشاهده بالحس وأما فيما يتعرف بالاستدلال فاستدل عليه بالعلامات الخاصة وأما فيما يتعرف بالمسألة فابحث عنه بالمسألة حتى تعتبر كل واحد من العيوب فتعرف هل هو عيب حاضر أو كان أو متوقع أم الحال حال صحة وسلامة‏.‏

ومن كلامه قال إذا دعيت إلى مريض فأعطه ما لا يضره إلى أن تعرف علته فتعالجها عند ذلك ومعنى معرفة المرض هو أن تعرف من أي خلط حدث أولاً ثم تعرف بعد ذلك في أي عضو هو وعند ذلك تعالجه‏.‏

ولعلي بن رضوان من الكتب شرح كتاب العرق لجالينوس وفرغ من شرحه له في يوم الخميس لليلتين بقيتا من ذي الحجة سة اثنتين وثلاثين وأربعمائة شرح كتاب الصناعة الصغيرة لجالينوس شرح كتاب النبض الصغير لجالينوس شرح كتاب جالينوس إلى أغلوقن في التأني لشفاء الأمراض شرح المقالة الأولى في خمس مقالات وشرح المقالة الثانية في مقالتين شرح كتاب الأسطقسات لجالينوس شرح بعض كتاب المزاج لجالينوس ولم يشرح من الكتب الستة عشر لجالينوس سوى ما ذكرت كتاب الأصول في الطب أربع مقالات كناش رسالة في علاج الجذام كتاب تتبع مسائل حنين مقالتان كتاب النافع في كيفية تعليم صناعة الطب ثلاث مقالات مقالة في أن جالينوس لم يغلط في أقاويله في اللبن على ما ظنه قوم مقالة في دفع المضارعن الأبدان بمصر مقالة في سيرته مقالة في الشعير وما يعمل منه ألفها لأبي زكريايهوذا بن سعادة الطبيب جوابه لمسائل في لبن الأتن سأله إياها يهوذا بن سعادة تعاليق طبية تعاليق نقلها في صيدلة الطب مقالة في مذهب أبقراط في تعليم الطب كتاب في أن أفضل أحوال عبد اللَّه بن الطيب الحالي السوفسطائية وهو خمس مقالات كتاب في أن الأشخاص كل واحد من الأنواع المتناسلة أب أول منه تناسلت الأشخاص على مذهب الفلسفة تفسير مقالة الحكيم فيثاغورس في الفضيلة مقالة في الرد على إفرائيم وابن زرعة في الاختلاف في الملل انتزاعات شروح جالينوس لكتب أبقراط كتاب الانتصار لأرسطوطاليس وهو كتاب التوسط بينه وبين خصومه المناقضين له في السماع الطبيعي تسع وثلاثون مقالة‏.‏

تفسير ناموس الطب لأبقراط تفسير وصيةأبقراط المعروفة بترتيب الطب كلام في الأدوية المسهلة كتاب في عمل الأشربة والمعاجين تعليق من كتاب التميمي في الأغذية والأدوية تعليق من كتاب فوسيدونيوس في أشربة لذيذة للأصحاء فوائد علقها من كتاب فيلغريوس في الأشربة النافعة اللذيذة في أوقات الأمراض مقالة في الباه مقالة في أن كل واحد من الأعضاء يغتذي من الخلط المشاكل له مقالة في الطريق إلى إحصاء عدد الحميات فصل من كلامه في القوى الطبيعية جواب مسائل في النبض وصل إليه السؤال عنها من الشام رسالة في أجوبة مسائل سأل عنها الشيخ أبو الطيب أزهر بن النعمان في الأورام رسالة في علاج صبي أصابه المرض المسمى بداء الفيل وداء الأسد نسخة الدستور الذي أنفذه أبو العسكر الحسين بن معدان ملك مكران في حال علة الفالج في شقة الأيسر وجواب ابن رضوان له فوائد علقها من كتاب حيلة البرء لجالينوس فوائد علقها من كتاب تدبير الصحة لجالينوس فوائد علقها من كتاب الأدوية المفردة لجالينوس فوائد علقها من كتاب تدبير الصحة لجالينيوس فوائد علقها من كتاب الأدوية المفردة لجالينوس فوائد علقها من كتاب الميامر لجالينوس فوائد علقها من كتاب قاطاجانس لجالينوس فوائد علقها في الأخلاط من كتب عدة لأبقراط وجالينوس‏.‏

كتاب في حل شكوك الرازي على كتب جالينوس سبع مقالات مقالة في حفظ الصحة مقالة في أدوار الحميات مقالة في التنفس الشديد وهو ضيق النفس رسالة كتب بها إلى أبي زكريا يهوذا بن سعادة في النظام الذي استعمله جالينوس في تحليل الحد في كتابه المسمى الصناعة الصغيرة مقالة في نقض مقالة ابن بطلان في الفرخ والفروج مقالة في الفأر مقالة فيما أورده ابن بطلان من التحييرات مقالة في أن ما جهله يقين وحكمة وما علمه ابن بطلان غلط وسفسطة مقالة في أن ابن بطلان لا يعلم كلام نفسه فضلاً عن كلام غيره رسالة إلى أطباء مصر والقاهرة في خبر ابن بطلان قول له في جملة الرد عليه كتاب في مسائل جرت بينه وبين ابن الهيثم في المجرة والمكان أخرجه لحواشي كامل الصناعة الطبية الموجود منه بعض الأولى رسالة في أزمنة الأمراض مقالة في التطرق بالطب إلى السعادة مقالة في أسباب مدد حميات الأخلاط وقرائنها جوابه عما شرح له من حال عليل به علة الفالج في شقه الأيسر مقالة في الأورام كتاب في الأدوية المفردة على حروف المعجم اثنتا عشرة مقالة الموجود منه إلى بعض السادسة مقالة في شرف الطب رسالة في الكون والفساد مقالة في سبيل السعادة وهي السيرة التي اختارها لنفسه رسالة في بقاء النفس بعد الموت مقالة في فضيلة الفلسفة مقالة في بناء النفس على رأي أفلاطون وأرسطوطاليس أجوبته لمسائل منطقية من كتاب القياس مقالة في حل شكوك يحيى بن عدي المسماة بالمحراسات مقالة في الحر مقالة في بعث نبوّة محمد # من التوراة والفلسفة مقالة في أن الوجود نقط وخطوط طبيعية مقالة في حدث العالم مقالة في التنبيه على حيل من ينتحل صناعة القضايا بالنجوم وتشرف أهلها مقالة في خلط الضروري والوجودي مقالة في اكتساب الحلال من المال مقالة في الفرق بين الفاضل من الناس والسديد والعطب مقالة في كل السياسة رسالة في السعادة مقالة في اعتذاره عما ناقض به المحدثين مقالة في توحيد الفلاسفة وعبادتهم كتاب في الرد على الرازي في العلم الإلهي وإثبات الرسل كتاب المستعمل من المنطق في العلوم والصنائع ثلاث مقالات رسالة صغرى في الهيولي صنفها لأبي سليمان بن بابشاد تذكرتاه المسماة بالكمال الكامل والسعادة القصوى غير كاملة تعاليقه لفوائد كتب أفلاطون المساجرة لهوية طبيعة الإنسان تعاليق فوائد مدخل فرفوريوس تهذيب كتاب الحابس في رياسة الثنا الموجود منه بعض لا كل تعاليق في أن خط الاستواء بالطبع أظلم ليلاً وأن جوهره بالعرض أظلم ليلاً كتاب فيما ينبغي أن يكون في حانوت الطبيب أربع مقالات مقالة في هواء مصر مقالة في مزاج السكر مقالة في التنبيه على ما في كلام ابن بطلان من الهذيان رسالة في دفع مضار الحلوى بالمحرور‏.‏